الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
وبيعته بالبلد الجليد في كفالة عمر بن لما نبذ عمر إلى بني مرين عهدهم واعصوصبوا عليه ونكروا ما جاء به من البيعة لأبي عمر مع فقدانه العقل الذي هو شرط الخلافة شرعاً وعادة ونقموه عليه اتهم نفسه في نظره وفزع إلى التماس المرشحين فوقع نظره على حافد السلطان أبي الحسن محمد ابن الأمير أبي عبد الرحمن النازع لأول دولة السلطان أبي سالم من رندة إلى الطاغية.وكان قد نزل منه بخير مثوى فبعث إليه مولاه عتيقاً الخصي ثم تلاه بعثمان ابن الياسمين ثم تلاهما بالرئيس الأبكم من بني الأحمر وفي كل ذلك يستحث قدومه.وخاطب المخلوع ابن الأحمر وهو في جوار الطاغية كما قدمناه وقريب عهد بجوارهم فخاطبه في استحثاثه واستخلاصه من يد الطاغية.وكان المخلوع يرتاد لنفسه نزولاً من ثغور المسلمين لما كان فسد بينه وبين الطاغية ورام النزوع عن إيالته فاشترط على الوزير عمر النزول له عن رندة فتقبل شرطه وبعث إليه الكتاب بالنزول عنها بعد أن وضع الملأ عليه خطوطهم من بني مرين والخاصة والشرفاء فسار ابن الأحمر إلى الطاغية.وسأل منه تسريح محمد هذا إلى ملكه وأن قبيله دعوه إلى ذلك فسرحه بعد أن شرط عليه وكتب الكتاب بقبوله. وفصل من إشبيلية في شهر المحرم فاتح ثلاث وستين.ونزل بسبتة وبها سعيد بن عثمان من قرابة عمر بن عبد الله. وأرصده لقدومه فطير بالخبر إليه فخلع أبا عمر من الملك وأنزله بداره مع حرمه.وبعث إلى السلطان أبي زيان محمد بالبيعة والآلة والفساطيط. ثم جهز عسكراً للقائه فتلقوه بطنجة. وأغذ السير إلى الحضرة فنزل منتصف شهر صفر بكدية العرائس.واضطرب معسكره بها وتلقاه الوزير يومئذ وبايعه وأخرج فسطاطه فاضطر به بمعسكره وتلوم السلطان هنالك ثلاثاً. ثم دخل في الرابعة إلى قصره واقتعد أريكته وتودع ملكه.وعمر مستبد عليه لا يكل إليه أمراً ولا نهيأ. واستطال عند ذلك المنازعون أولاد علي كما نذكره إن شاء الله تعالى.
بعد الواقعة عليهم بمكناسة لما سمع عبد الحليم بقدوم محمد بن أبي عبد الرحمن من سبتة إلى فاس وهو بمكانه من تازى سرح أخاه عبد المؤمن وعبد للرحمن ابن أخيه إلى اعتراضه فانتهوا إلى مكناسة وخاموا عن لقائه.فلما دخل إلى البلد الجديد أجلبوا بالغارة على النواحي وكثر العيث.وأجمع الوزير عمر على الخروج إليهم بالعسكر فبرز في التعبية والآلة وبات بوادي النجا.ثم أصبح على تعبية وأغذ السير إلى مكناسة فزحف إليه عبد المؤمن وابن أخيه عبد الرحمن في جموعهم فجاولهم القتال ساعة ثم صمد إليهم فدفعهم عن مكناسة.وانكشفوا فلحقوا بأخيهم السلطان عبد الحليم بتازى. ونزل الوزير عمر بساحة مكناسة وأوفد بالفتح على السلطان وكنت وافده إليه يومئذ فعمت البشرى واتصل السرور. وتهنأ السلطان ملكه وتودع من يومئذ سلطانه.ولما وصل عبد المؤمن إلى أخيه عبد الحليم بتازى مفلولاً انفض معسكره ونزعوا عنه إلى فاس وذهب لوجهه هو وإخوانه مع وزيرهم السبيع ومن كان معهم من العرب المعقل فلحقوا بسجلماسة. وكان أهلها قد دخلوا في بيعتهم ودانوا بطاعتهم واستقروا بها.وجددوا رسم الملك والسلطان إلى أن كان من خروجهم عنها ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وما كان من وزارة ابن ماساي واستبداد عامر بن محمد بمراكش كان السلطان أبو سالم لما استقل بملك المغرب استعمل على جباية المصامدة وولاية مراكش محمد بن أبي العلاء بن أبي طلحة من أبناء العمال. وكان مضطلعاً بها. ونافس الكثير من ذوي عامر فأحفظه ذلك.وربما تكررت سعايته في عامر عند السلطان ولم يقبل.ولما بلغ عامر خبر مهلك السلطان أبي سالم وقيام عمر بالأمر وكانت بينهما خلة بيت محمد بن أبي العلاء فتقبض عليه وامتحنه وقتله واستقل بأمر مراكش.وبعث إليه الوزير عمر بأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم يعتده لما توقع من حصار بني مرين إياه أن يجلب به عامر عليهم ويستنقذه كما ذكرناه. ثم سرح مسعود بن ماساي كما ذكرناه.ولما أحاط بنو مرين بالبلد الجديد جمع عامر من إليه من الجند والحشود وزحف بأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم إلى أنفى ونزل بوادي أم ربيع.ولما انفض جمعهم من على البلد الجديد لحق به يحيى بن رحو وكان له صديقاً ملاطفاً فتنكر له توفية لعمر بن عبد الله وصاحبه مسعود. وبعثه إلى الجبل ولم يشهده الجمع فذهب مغاضباً.ولحق بسجلماسة بالسلطان عبد الحليم. وهلك في بعض حروبه مع العرب. ولما انفض عبد المؤمن وأجفل عبد الحليم من تازى ولحقوا بسجلماسة واستوسق الأمر لعمر بن عبد الله وفرغ من شأن المنازعين ومضايقتهم له رجع إلى ما كان يؤمله من الاستظهار على أمره بمسعود بن رحو وإخوته وأقاربه لمكان الصهر الني بينهما فاستقدمه للوزارة مرضاة لبني مرين لما كان عليه من استمالتهم لجميع المذاهب والإغضاء عما نالوه به من النكاية.وكان عامر بن محمد مجمعاً القدوم على السلطان فقدم في صحابته ونزل من الدولة خير منزل. وعقد السلطان لمسعود بن رحو على وزارته بإشارة الوزير عمر واضطلع بها.ودفعه عمر إليها استنامة إليه وثقة بمكانه واستظهارا بعصابته. وعقد مع عامر بن محمد الحلف على مقاسمة المغرب من تخم وادي أم ربيع وجعل أمارة مراكش لأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم إسعافاً بغرض عامر بن محمد في ذلك.وأصهر عامر إليهم في بنت مولانا السلطان أبي يحيى المتوفى عنها السلطان أبو الحسن فحملوا أولياءها على العقد له عليها.وانكفأ راجعاً إلى مكان عمله بمراكش يجر الدنيا وراءه عزاً وثروة وتابعاً لجمادى من سنة ثلاث وستين. وصرف عمر عزيمته إلى تشريد عبد الحليم وأخيه من سجلماسة كما نذكره إن شاء الله تعالى.
لما احتل عبد الحليم وإخوته بسجلماسة اجتمع إليهم عرب المعقل بكافة حللهم. واقتضوا خراج البلاد فوزعوه فيهم واقتضوا على الطاعة رهنهم. وأقطعهم جهات المختص بأسرها واعصوصبوا عليه. واستحثه يحيى بن رحيم ومن هناك من شيخه بني مرين إلى النهوض للمغرب فأجمع أمره على ذلك.وتدبر الوزير عمر أمره وخشي أن يضطرم جمره فأجمع الحركة إليه. وناس في الناس بالعطاء والصلة فاجتمعوا إليه وبث العطاء فيهم. واعترض العساكر وأزاح العلل.وارتحل من ظاهر فاس في شعبان من سنة ثلاث وستين وارتحل معه ظهيره مسعود بن ماساي وبرز السلطان عبد الحليم إلى لقائهم.ولما تراءت الفئتان بتاعزوطت عند فرج الجبل المفضي من تلول المغرب إلى الصحراء هموا باللقاء. ثم تواقفوا أياماً وتمشت بينهم رجالات العرب في الصلح والتجافي لعبد الحليم عن سجلماسة تراث أبيه فانعقد مسعود ما بينهما وافترقا.ورجع كل واحد منهما إلى عمله ومكانه من سلطانه. ودخل عمر والوزير مسعود إلى البلد الجديد في رمضان من سنته وتلقاهما سلطانهما بأنواع المبرة والكرامة.ونزع الوزير محمد السبيع عن السلطان عبد الحليم إلى الوزير عمر وسلطانه فتقبل وحل محل الكرامة والردافة للوزارة واستقر كل بمكانه.وتودعوا أمرهم إلى أن كان من خلع عبد المؤمن لأخيه عبد الحليم ما نذكره إن شاء الله تعالى.
لما رجع عبد الحليم بعد عقد السلم مع الوزير عمر إلى سجلماسة واستقر بها. وكان عرب المعقل من ذوي منصور فريقين الأحلاف وأولاد حسين. وكانت سجلماسة وطناً للأحلاف وفي مجالاتهم مذ أول أمرهم ودخولهم المغرب. وكان من أولاد حسين في ممالأة الوزير عمر ما قدمناه فكانت صاغية السلطان عبد الحليم إلى الأحلاف بسبب ذلك أكثر فأسف ذلك أولاد حسين على الأحلاف وتجددت بينهما لذلك فتنة وتزاحفاً.وأخرج السلطان عبد الحليم أخاه عبد المؤمن لرقع ما بينهما من الخرق ولأمته فلما قدم على أولاد حسين دعوه إلى البيعة والقيام بأمره فأبى وأكرهوه عليها وبايعوه.وزحفوا إلى سجلماسة في صفر من سنة أربع وستين. وبرز عبد الحليم إليهم في أوليائه من الأحلاف. وتواقفوا ملياً وعقلوا رواحلهم. ثم انكشف الأحلاف وانهزموا. وهلك يحيى بن رحو كبير المشيخة من بني مرين يومئذ في حربهم. وتغلبوا على سجلماسة ودخل إليها عبد المؤمن وتخلى له أخوه عبد الحليم عن الأمر وخرج إلى المشرق لقضاء فرضه فودعه وزوده بما أراد. وارتحل إلى الحج وقطع المفازة إلى بلد مالي من السودان. وصحب منها ركاب الحاج إلى مصر.ونزل على أميرها المتغلب على سلطانها يومئذ وهو يلبغا الخاصكي وأنهى خبره إليه.وعرف بمقامه فاستبلغ في تكريمه بما يناسب بيته وسلطانه.وقضى حجه وانصرف إلى المغرب فهلك بقرب الإسكندرية سنة ست وستين واستقل عبد المؤمن بأمرسجلماسة حتى كان من نهوض العسكر إليه ما نذكره إن شاء افه تعالى.
ولحاق عبد المؤمن بمراكش لما افترقت كلمة أولاد السلطان أبي علي وخلع عبد المؤمن أخاه تطاول الوزير عمر إلى التغلب عليهم.ونزع إليه الأحلاف عدو أولاد حسين وشيعة عيد الحليم المخلوع فجهز العساكر وبث العطاء وأزاح العلل. وسرح ظهيره مسعود بن ماساي إلى سجلماسة فنهض إليها في ربيع من سنة أريع.وتلقاه الأحلاف يحللهم وناجعتهم وأغذ السير ونزع الكثير من أولاد حسين إلى الوزير مسعود.وبعث عامر بن محمد عن عبد المؤمن فرحل عن سجلماسة وتركها.ولحق بعامر فتقبض عليه واعتقله بداره من جبل هنتاتة. ودخل الوزير مسعود إلى سجلماسة واستولى عليها. واقتلع منها جرثومة الشقاق باقتلاع دعوة أولاد أبي على منها.وكر راجعاً إلى المغرب لشهرين من حركته فاحتل بفاس إلى أن كان من خبره وانتقاضه على عمر وفساد ما بينهما ما نذكره.
لما استقل عامر بالناحية الغربية من جبال المصامدة ومراكش وما إلى ذلك من الأعمال واستبد بها ونصب لأمره أبا الفضل ابن السلطان أبي سالم واستوزر له واستكتب وصارت كأنها دولة مستقلة فصرف إليه النازعون من بني مرين على الدولة وجوه مفرهم ولجأوا إليه فأجارهم على الدولة واجتمع إليه منهم ملأ.وأشاروا عليه باستقدام عبد المؤمن وأنه أبلغ ترشيحاً من أبي الفضل بنسبه وقيامه على أمره وصاغية بني مرين إليه فاستدعاه وأظهر لعمر أنه يروم بذلك مصلحته والمكر لعبد المؤمن.ونمي ذلك كله إلى عمر فارتاب به. ونزع إليه آخر من نزع السبيع بن موسى بن إبراهيم الوزير. كان لعبد الحليم فكشف عمر القناع في مطالبته وتجهيز العسكر إليه.واستراب بأهل ولايته. وعثر على كتاب من الوزير مسعود بن ماساي إليه يخالصه وببذل له النصيحة فتقبض على حامله وأودعه السجن فتنكر مسعود.وأغزاه صحابته الملابسون له من بني مرين بالخروج ومنازعة عمر في الأمر.ووعدوه النصر منه فاضطرب معسكره بالزيتون من خارج فاس مورياً بالنزعة إبان الربيع وزخرف الأرض في شهر رجب من سنة خمس.وبنى أصحابه الفساطيط في معسكره حتى إذا استوفوا جمعهم واعتزم على الخروج ارتحل مجاهراً بالخلاف وعسكر بوادي النجا من كان يعده الخروج معه من بني مرين.ثم ارتحل إلى مكناسة.وكتب إلى عبد الرحمن بن علي أبي يفلوسن يستقدمه للبيعة وكان بجهات تادلاً قد خرج بها بعد انصرافهم من سجلماسة وتخلفه عن أخيه عبد المؤمن.وبعث عامر إليه بعثاً فهزموه ثم لحق ببني ونكاسن فبعث إليه ابن ماساي وأصحابه فقدم عليهم وبايعوه. وأخرج عمر سلطانه محمد بن أبي عبد الرحمن وعسكر بكدية العرائس.وبث العطاء وأزاح العلل. ثم ارتحل إلى وادي النجا فبيته مسعود وقومه فثبت هو ومعسكره في مراكزهم حتى انجاب الظلام وفروا أمامهم فاتبعوا لمم آثارهم وانفض جمعهم.وبدا لهم ما لم ولحق مسعود بن ماساي بن رحو بتادلا. ولحق الأمير عبد الرحمن ببلاد بني ونكاسن. ورجع عمر والسلطان إلى مكانهم من الحضرة. واستمال مشيخة بني مرين فرجعوا إليه وعفا لهم عنها واستصلحهم.وتمسك أبو بكر بن حمامة بدعوة عبد الرحمن بن أبي يفلوسن وأقامها في نواجيه.وبايعه عليه موسى بن سيد الناس من بني علي أهل جبل دبدو من بني ونكاسن بما كان صهراً له. وخالفه قومه إلى الوزير عمر. وأغراه بالنهوض إلى أبي بكر بن حمامة فنهض وغلبه على بلاده. واقتحم حصنه إيكلوان. وفر هو وصهره موسى وفارقوا سلطانهم عبد الرحمن ونبذوا إليه عهده. ورجعوا إلى طاعة صاحب فاس فلحق هو بتلمسان ونزل على السلطان أبي حمو. فاستبلغ في تكريمه. ولحق وزيره مسعود بن ماساي بدبدة ونزل على أميره محمد بن زكدان صاحب ذلك الثغر. ثم بدا له في أمره وداخل صاحب الثغر وبعث عن الأمير عبد الرحمن من تلمسان ليطارد به لفرصة ظنها في المغرب ينتهزها.وأبى عليه أبو حمو من ذلك فركب مطية الفرار ولحق بابن ماساي وأصحابه فنصبوه للأمر وأجلبوا على تازى. ونهض الوزير إليهم في العساكر داخل بتازى. وتعرضوا للقائه ففض جموعهم وردهم على أعقابهم إلى جبل دبدو.وسعى بينهم ونزمار بن عريف ولي الدولة في قبض عنانهم عن المنازعة والتجافي عن طلب الأمر وأن يتحيزوا إلى الأندلس للجهاد فأجاز عبد الرحمن بن أبي يفلوسن ووزيره ابن ماساي من غساسة فاتح سبع وستين.وخلا الجو من أجلابهم وعنادهم ورجع الوزير إلى فاس واحتشد إلى مراكش كما نذكره إن شاء الله تعالى.
لما فرغ عمر من شأن مسعود وعبد الرحمن بن أبي يفلوسن صرف نظره إلى ناحية مراكش وانتزاء عامر بن محمد بها.وأجمع أمره على الحركة إليه فأفاض العطاء وناس بالسفر إلى حرب عامر وأزاح العلل وارتحل إليه لرجب من سنة سبع.وصعد عامر وسلطانه أبو الفضل إلى الجبل فاعتصم به وأطلق عبد المؤمن من معقله.ونصب له الآلة وأجلسه على سرير حذاء سرير أبي الفضل يوهم أنه بايع له وأنه قد حكم أمره يجأجئ بذلك لبني مرين لما علم من صاغيتهم إليه.وخشي عمر مغبة ذلك فألان له في القول ولاطفه في الخطاب وسعى بينهما في الصلح حسون بن علي الصبيحي فعقد له عمر من ذلك ما ابتغاه وانقلب إلى فاس.ورجع عامر عبد المؤمن إلى معتقله وأجرى الأحوال على ما كانت من قبل إلى أن بلغهم قتل الوزير عمر لسلطانه كما نذكره إن شاء الله تعالى.ولاية عبدالعزيز ابن السلطان ابي الحسن
ابن السلطان ابني الحسن كان شأن هذا الوزير عمر في الاستبداد على سلطانه محمد هذا عجباً حتى بلغ مبلغ الحجر للسفهاء من الصبيان. وقد جعل عليه العيون والرقباء حتى من حرمه وأهل قصره.وكان السلطان كثيراً ما يتنفس الصعداء من ذلك مع ندمائه ومن يختصه بذلك من حرمه إلى أن حدث نفسه باغتيال الوزير. وأمر بذلك طائفة من العبدى كانوا يختصون به فنمي القول.وأرسل به الوزير بعض الحرم كانوا عيناً له عليه فخشيه على نفسه.وكان من الاستبداد والدالة أن الحجاب مرفوع له عن خلوات السلطان وحرمه ومكاشفة رتبه فخلص إليه في حشمه وهو معاقر لندمائه فطردوهم عنه وتناولوه غطاً حتى فاض وألقوه في بئر بروض الغزلان.واستدعى الخاصة فأراهم مكانه وأنه سقط عن دابته وهو ثمل في تلك البئر وذلك في المحرم فاتح ثمان وستين.واستدعى من حينه عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن وكان في بعض الدور بالقصبة من فاس تحت رقابة وحراسة من الوزير لما كان السلطان محمد يروم الفتك به غيرة منه على الملك لمكان ترشيحه فحضر بالقصر وجلس على سرير الملك.وفتحت الأبواب لبني مرين والخاصة والعامة فزدحموا على تقبيل يده معطين الصفقة على طاعته. وكمل أمره وباشر الوزير من حينه إلى تجهيز العساكر إلى مراكش.ونادى بالعطاء وفتح الديوان وكمل الاعتراض. وارتحل بسلطانه من فاس في شهر شعبان وأغذ السير إلى مراكش.ونازل عامر بن محمد بمعقله من جبل هنتاتة ومعه الأمير أبو الفضل ابن السلطان أبي سالم وعبد المؤمن ابن السلطان أبي علي أطلقه من الاعتقال أيضاً وأجلسه موازي ابن عمه واتخذ له الآلة يموه به شأنه الأول ثم سعى بينه وبين عامر في الصلح فانعقد بينهما وانكفأ راجعاً بسلطانه إلى فاس في شهر شوال فكان حتفه إثر ذلك كما نذكره إن شاء الله.
كان عمر قد عظم استبداده على السلطان عبد العزيز فحجره ومنعه من التصرف في شيء من أمره. ومنع الناس من التعرض له في شيء من أمورهم. وكان أمه حذرة عليه إشفاقاً وحباً.وكان عمر لما ملك أمره واستبد عليهم سما إلى الإصهار إليهم في بنت السلطان أبي عنان.واشترط لها زعموا تولية أخيه الأمر. ونمي ذلك إلى السلطان وأن عم مغتاله لا محالة.وقارن ذلك أن عمر أوعز إلى السلطان بالتحول عن قصره إلى القصبة فركب أسنة الغرر لاضطراره واعتزم على الفتك به. وأكمن بزوايا داره جماعة من الرجل وأعدهم للتوثب به.ثم استدعاه إلى بيته للمؤامرة معه على سنته فدخل معه. وأغلق الموالي من الخصيان باب القصر من ورائه. ثم أغلظ له السلطان في القول وعتبه. ودلف الرجل إليه من زوايا الدار فتناولوه بالسيوف هبراً.وصرخ ببطانته بحيث أسمعهم فحملوا على الباب وكسروا أغلاقه فألفوه مضرجاً بدمائه فولوا الأدبار وانفضوا من القصر وانذعروا. وخرج السلطان إلى مجلسه فاقتعد أريكته واستدعى خاصته.وعقد لعمر بن مسعود بن منديل بن حمامة من بني مرين وشعيب بن ميمون بن ودرار من الجشم ويحيى بن ميمون أمصمود من الموالي. وكملت بيعته منتصف في القعدة سنة ثمان وستين.وتقبض على ابن الوزير عمر وأخيه وعمه وحاشيتهم وذويهم واعتقلهم حتى أتى القتل عليهم لليال. واستأصل النكال شأفتهم. وسكن وأمن ورد المنافرين بأمانه وبسط لهم في وجه بشره.ثم تقبض لأيام على سليمان بن داود ومحمد السبيع وكانا من مخالصة عمر بمكان فاعتقلهما استرابة بهما ولشيء نمي له عنهما.وأودعهما السجن إلى أن هلك واعتقل معهما علال بن محمد والشريف أبا القاسم ريبة بصحابتهما. ثم امتن عليهما بشفاعة ابن الخطيب وزير ابن الأحمر وأقصاه. ثم أطلق عنانه في الاستبداد. وقبض أيدي الخاصة والبطانة. عن التصرف في شيء من سلطانه إلا بإذنه وعن أمره. وهلك لأشهر من استبداده الوزير
لما فتك السلطان عبد العزيز بعمر بن عبد الله المتغلب كليه سولت لأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم نفسه مثلها في عامر بن محمد لمكان استبداده عليه وأغراه بذلك بطانته.وتوجس لها عامر فتمارض بداره.واستأذنه في الصعود إلى معتصمه بالجبل ليمرضه هناك حرمه وأقاربه وارتحل بجملته.ويئس أبو الفضل من الاستمكان منه.وأغراه حشمه بالراحة من عبد المؤمن.ولليال من منصرف عامر ثمل أبو الفصل ذات ليلة وبعث عن قائد الجند من النصارى فأمره بقتل عبد المؤمن بمكان معتقله من قصبة مراكش فجاء برأسه إليه.وطار الخبر إلى عامر فارتاع وحمد الله أن خلص من غائلته.وبعث ببيعته إلى السلطان عبد العزيز وأغراه بأبي الفضل ورغبه في ملك مراكش.ووعده بالمظاهرة فأجمع السلطان أمره على النهوض إلى مراكش.ونادى في الناس بالعطاء وقضى أسباب حركته.واوتحل من فاس سنة تسع وستين.واستبد أبو الفضل بعد مهلك عبد المؤمن.واستوزر طلحة السنوري وجعل علامته لمحمد بن محمد بن منديل الكناني وجعل شوراه لمبارك بن إبراهيم عطية الخلطي.ثم سخط طلحة التينوري بسعاية الكناني فقتله واعتمد بعساكره منازلة عامر.ولما فصل لذلك من مراكش جاءه الخبر بحركة السلطان عبد العزيز إليه فانفض معسكره.ولحق بتادلا ليعتصم بها في معتقل بني جابر. وعاج السلطان عن مراكش بعساكره إليها فنازله وأخذ بمخنقه وقاتله ففل عسكره.وداخله بعض بني جابر في الإخلال بمصافه يوم الحرب مع مال بذله لهم ففعلوا وانهزمت عساكر أبي الفضل وجموعه وتقبض على أشياعه.وسيق مبارك بن إبراهيم إلى السلطان فاعتقله إلى أن قتله مع عامر عند مهلكه كما نذكره.وفر الكناني إلى حيث لم يعلم مسقطه.ثم لحق بعامر بن محمد ولحق أبو الفضل بقبائل صناكة من ورائهم.وداخلهم أشياع السلطان من بني جابر وبذلوا لهم المال الدثر في إسلامه فأسلموه.وبعث السلطان إليهم وزيره يحيى بن ميمون فجاء به أسب وأحضره السلطان فوبخه وقرعه واعتقله بفسطاط في جواره ثم غط من الليل.وكان مهلكه في رمضان من سنة تسع.وبعث السلطان إلى عامر يختبر طاعته بذلك فأبى عليه.وجاهر بالخلاف إلى أن كان من شأنه ما نذكره إن شاء الله تعالى.
كان يحيى بن ميمون هذا من رجالات دولتهم وربي في دولة السلطان أبي الحسن وكان عمه علال عدواً له لعداوة أبيه.ولما انتزى السلطان أبو عنان على ملك أبيه استخلص يحيى هذا سائر أيامه وهلك كما ذكرناه.واستعمل يحيى ببجاية فلم يزل بها إلى أن تقبض عليه الموحدون لما استخلصوا بجاية من يده.وصار إلى تونس واعتقل بها مدة . ثم صرفوه إلى المغرب أيام عمر فاختص به.ولما عقد له السلطان عبد العزيز على وزارته وكان قوي الشكيمة شديد الحزم وصعب العداوة مرهف الحد وكان عمه علال بعد أن أطلقه السلطان من الاعتقال مكنه من إذنه وأقامه متصرفاً بين يديه فألقى إلى السلطان استبداد يحيى عليه وحذره من شأنه.ورفع إليه أنه يروم تحويل الدعوة لبعد القرابة من آل عبد الحق وأنه داخل في ذلك قواد الجند من النصارى.وأصاب الوزير وجع قعد به عن مجلس السلطان فاختلف الناس إلى زيارته .وعكف ببابه قواد النصارى فاستراب بأمرهم.وتيقن الأمر بعكوفهم فأرسل السلطان من حشمه من تقبض عليه وأودعه السجن.ثم جنب إلى مصرعه من الغد وقتل قعصاً بالرماح. وقتل المتهمون من القرابة وقواد الجند واستلحموا جميعاً وصاروا مثلاً في الآخرين. والأمر لله.
لما فرغ السلطان من شأن أبي الفضل عقد على مراكش لعلي بن محمد بن أجانا من صنائع دولتهم.وأوعز إليه بالتضييق على عامر والأخذ بمخنقه وإلجائه إلى الطاعة. وانقلب إلى فاس واعتزم على الحركة إلى تلمسان. وبينما هو في الاستغفار كذلك إذ جاء الخبر بأن علي بن أجانا نهض إلى عامر وحاصره أياماً. وأن عامراً زحف إليه ففض معسكره.وتقبض على ابن أجانا والكثير من العسكر فاعتقلهم فقام السلطان في ركائبه وقعد وأجمع أمره على النهوض إليه بكافة بني مرين وأهل المغرب فبعث في الحشود وبث العطاء.وعسكر بظاهر البلد حتى استوفى الغرض وعقد على وزارته لأبي بكر بن غازي بن يحيى بن الكاس لما كان فيه من مخايل الرياسة والكفاية ورفع محله.وارتحل سنة سبعين فاحتل بمراكش ثم خرج إلى منازلته وكان عامر بن محمد قد نصب بعض الأعياص من آل عبد الحق من ولد أبي ثابت بن يعقوب بن عبد الله اسمه تاشفين.ولحق به علي بن عمر بن ويغلان من شيوخ بني ورتاجن كبير بني مرين وصاحب الشورى فيهم لعهده فاشتد أزره به.وتوافى به كثير من الجند النازعين عن السلطان رهبة من بأسه أو سخطة بحاله أو رغبة فيما عند عامر قريبهم. وأمسك الله يده عن العطاء فلم يسل بقطرة. وطال مثوى السلطان بساحته وعلى حصاره. وبوأ المقاعد للمقاتلة وغاداه بالقتال وراوحه. وتغلب على حصونه شيئاً فشيئاً إلى أن تعلق بأعلى الجبل تامسكروط وكان لأبي بكر بن غازي غناء مذكور ويئس أصحاب عامر وأشياعه من عطائه.وفسد ما بينه وبين علي بن عمر هذا فدس إلى السلطان بطلب الأمان ويتوثق لنفسه ثم نزع إليه. وداخله فارس بن عبد العزيز ابن أخي عامر في القيام بدعوة السلطان والخلاف على عمه لما كان يوسق به من إرهاف الحد وتفضيل ابنه أبي بكر عليه فبلغ خبره إلى السلطان.واقتضى له وثيقة من الأمان والعهد به بها إليه فثار بعمه. واستدعى القبائل من الجبل إلى طاعة السلطان فأجابوه.واستحث السلطان للزحف إليهم فزحفت العساكر والجنود واستوت على معتصم الجبل.ولما استيقن عامر أن قد أحيط به أوعز إلى ابنه أن يلحق بالسلطان مموهاً بالنزوع فألقى بنفسه إليه وبذل له الأمان ولحقه بجملته.وانتبذ عامر عن الناس وذهب لوجهه ليخلص إلى السوس فرده الثلج وقد كانت السماء أرسلت به منذ أيام برداً وثلجاً حتى تراكم بالجبل بعضه على بعض. وسد المسالك فاقتحمه عامر وهلك فيه بعض حرمه ونفق مركوبه.وعاين الهلكة العاجلة فرجع مخفياً أثره إلى غار أوى إليه مع أدلاء بذل لهم المال ليسلكوا به ظهر الخبل إلى الصحراء بالسوس. وأقاموا ينتظرون إمساك الثلج. وأغرى السلطان بالبحث عنه فدلهم عليه بعض البربر وعثروا عليه فسيق إلى السلطان وأحضره بين يديه.ووبخه فاعتذر وبخع بالطاعة.ورغب في الإقالة واعترف بالذنب فحمل إلى مضرب بني له وراء فسطاط السلطان واعتقل هنالك. وتقبض يومئذ على محمد بن الكناني فاعتقل. وانطلقت الأيدي على معاقل عامر ودياره فانتهب من الأموال والسلاح والذخيرة والزرع والأقوات والخرثى ما لا عين رأت ولا خطر على قلب أحد منهم.واستولى السلطان على الجبل ومعاقله في رمضان من سنة إحدى وسبعين لحول من يوم حصاره.وعقد على هنتاتة لفارس بن عبد العزيز بن محمد بن علي وارتحل إلى فاس واحتل بها آخر رمضان ودخلها في يوم مشهود برز فيه الناس.وحمل عامر وسلطانه تاشفين على جملين وقد أفرغ عليهما الرث وعبثت بهما أيدي الإهانة فكان ذلك عبرة لمن رآه. ولما قضى منسك الفطر أحضر عامراً فقرعه بذنوبه. وأوتي كتابه بخطه يخاطب به أبا حمو يستنجده على السلطان فشهد عليه.وأمر السلطان فامتحن ولم يزل يجلد حتى انتثر لحمه وضرب بالعصا حتى ورمت أعضاؤه وهلك بين يدي الوزعة. واحضر الكناني ففعل به مثله. وجنب تاشفين سلطانهم إلى مصرعه فقتل قعصاً بالرماح. وجنب مبارك بن إبراهيم من محبسه بعد طول الاعتقال فألحق بهم.ولكل أجل كتاب. وصفا الجو للسلطان من المنازعين. وفرغ لغزو تلمسان كما نذكره إن شاء الله تعالى.
|